الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كيفية دراسة الفقه (نسخة منقحة)
.العناية بالآثار: فإذا ضبطت هذا الضرب يأتي عندك هناك سعة جديدة في الفهم فتنتقل- بعد ما تحكم هذا الأمر تحكم الباب أو تحكم الأبواب- إلى كتب الخلاف كتب الآثار يكون عندك فهم إلى أن هذا القول أقوى من هذا القول، هذا القول ليس عليه العمل تظهر عندك إشكالات، لماذا يفتون مثلاً بهذا أو بهذه الفتوى؟ والآثار جاءت فيها كذا وكذا، بغير ذلك، في مثلا هل المرأة الحائض تقرأ القرآن أو النفساء تقرأ القرآن أم لا؟ تعرف الفتوى عند أكثر المشائخ على أي قول؟ ثم إذا نظرت في الآثار ظهر عندك شيءٌ ثاني، يبدأ عندك هناك علم مهم جداً في الفقه، وهو يوجد في كل فن وهو علم الاستشكال، إذا استشكل مستشكل هذا معناه أنه يفهم إذا كان استشكاله واقعياً إذا استشكل لماذا يفتون بكذا؟ مع أنّ الأثر دل على كذا مع أن الدليل يحتمل كذا، فإذا سأل أحداً من أهل العلم أزال عنه الإشكال وأجاب عن إشكاله، وقد قال القرافي في فروقه قاعدة الفرق بين الكبائر والصغائر ومعرفة الإشكال علم في نفسه- من المهم أنك تستشكل ما فهمت كيف يقولون كذا، والدليل محتمل لكذا ليش، ما اعتنوا بكذا؟ لماذا ما ذكروا القاعدة؟ هذه القاعدة تشمل هذه لماذا ما ستدل بالقاعدة؟. هنا استدلالات كانت مهجورة عند السلف، الأدلة موجودة ولم يستدلوا بدليل منها، ولما أتى المتأخرون أو بعض المعاصرين استدلوا بأدلة لم يستدل السلف في المسألة بتلك الأدلة هذا إشكال لماذا؟ لماذا السلف ما استدلوا إلى مسألة كذا وكذا بالدليل الفلاني واستدل به بعض الناس من هذا العصر ما استدل السلف بالدليل واستدل به بعض الناس من هذا العصر بعض المشايخ أو بعض طلبة العلم لماذا؟ هذا الإشكال يتولد عندك مع إشكالات أخرى تحل هذا وتحل هذا حتى يرسخ الباب في ذهنك يرسخ الباب بتصوره بمعرفة دليله وبمعرفة الفتوى وبمعرفة الأقوال الأخرى بعد حين هذه مراتب ومعرفة الأقوال الأخرى وجواب هذا وجواب هذا. إذا عكست المسألة ما يحصل عندك ملكة فقهية، إذا بدأت مثلاً بالآثار فسيكون عندك معرفة بالخلافيات كثيرة لكن الملكة الفقهية ضعيفة وتحصيلك للمسائل قليل لأن مثلاً إذا نظرنا في كل مسألة سنبحث عما جاء فيها في الأسانيد والمصنفات أو في كتب الحديث وهي هذا صحيح أم غير صحيح وما ورد عن الصحابة والتابعين سوف تطول المسألة والأئمة في عهدهم كانوا على قرب من عهد الآثار على قرب من عهد الصحابة ما عندهم علوم كثيرة جداً أشغلت أذهانهم.الآن مثلاً من القرن الثالث إلى الآن ألف ومائة سنة كم ظهر من العلوم التي شغلت أذهاننا وأخذت خيراً منه من الأذهان، ولذلك صار الذهن لا يستطيع أن يكون مركزاً على ذلك يعني غالب الطلاب يكون مُركّزاً على الآثار ومستخرج منها الفقه الصحيح لهذا نعم نقول الغاية هي الآثار وهذا الذي يجب فالدين هو كتاب وسنة وأثر ولكن كيف تصل إليه؟ لابد أن تسلك الطريق الذي سلكه العلماء في الأزمنة المتأخرة بعد فوات التمكن في العلوم وآلاتها. بدأوا بالمتون المختصرة جداً هذا كالبناء ثم بعد ذلك يرون فتاوى العصر فيرون ماذا يفتي به علماء عصرهم الشافعية على الشافعية والحنفية على الحنفية ثم يبدأون بإيراد الإشكالات والنظر في الآثار..مسألة: كيفية التدرج في طلب الفقه: الفقه طويل وهذا شيء مما لا شك فيه، ويحتمل في تدرسيه كل يوم عدة سنين لو ندرس مثلاً مثل كتاب زاد المستقنع لكن هذا الأمر وهو كون الفقه طويلاً وأنه يحتاج إلى سنين هذا يسهل باتباع الطريقة الآتية:أولاً: أن تأخذ كل باب على حده ما تخلط بين الأبواب تأخذ متن فتأخذ مثلاً كتاب الزكاة تأخذه وتفهمه لو تجلس فيه شهر مع معلم أو مع نفسك تدرسه جملة جملة تقرأ وتنظر حتى تتصور الجملة هنا إذا كان المعلم قد وصل معك إلى كتاب الزكاة أو كان في أحد من المشائخ يقرأ على سبيل المثال في الزكاة فهنا تستمر معه يجري لك الأمر وإذا لم يمكن ذلك وأردت أن تقرأ أنت فلابد من أنت تكون على صلة بأحد العلماء الذين بعون كلام أهل الفقه هذه الصلة فائدتها كلما استشكلت شيئاً تسأل كل ما فهمت عبارة تسأل تركيبية ما استقام في ذهنك تسأل وهو يوضحك هذا الإيضاح أما باتصال هاتفي أو بملاقاة هذا الإيضاح وهذه الصلة تجعل المسائل تتضح ثم أيضاً يكون الحرص على ملازمة أهل العلم في سماع كلامهم لأنه جربنا هذا قبلكم في مسائل كثيرة في الفقه تمر عليها لكن ما تتضح لك إلا بسماع كلام أهل العلم فيها، إما مثلاً في كلمة أو في فتوى أهو تكلم يناقش المسألة تناقشه تجد أنه يعطيك مفتاح لفهم هذا الباب أو لفهم هذه المسألة ما أدركته بمجرد القراءة.فإذن.أولاً: أحكام الباب يكون بدون مداخله يعني تأخذ كتاب معيناً ككتاب الزكاة مثلاً أو باباً معيناً فتدرسه بدون مداخله، يعني مثلاً واحد يقول أنا باقرأ مثلاً في كتاب الزكاة وفي نفس الوقت يأخذ في كتاب البيوع، وفي نفس الوقت يأخذ كتاب في الحدود فالذهن لا يجمع بهذا الطريقة فتختلط عليه المسائل، فإذا أخذت مثلاً كتاباً على هذا تبدأ بتحرير جملة وإذا حررت جملة على وقت ما عندك فهمت، أعني بتحرير الجمل معرفة كل لفظ ومعناه من حيث اللغة ثم بعد التركيب.طالب العلم في الفقه بخصوصه لابد أن يكون حساساً في اللغة، لأنه إن لم يكن حساساً في اللغة استعمل في كلامه غير لغة العلم وهذا يضعف مع طالب العلم، فإذا تكلم مثلاً في الفقه كلام ثقافي يعني موعظة كأنه، كلاماً عاما، هذا يضعف الواحد معه، لكن إذا درب ذهنه ولسانه على أن كل لفظ له دلالته يجتهد على أن يستعمل ألفاظه مع مرور الزمن، يبدأ يتربى شيئاً فشيئاً حتى يستعمل ألفاظه، فإذن:1- معرفة ألفاظ الفقهاء ودلالة كل لفظ.ثم:2- معرفة التركيب لهذه الجملة.ثم:3- الحكم.4- دليل الحكم، قد يكون راجحاً في نفس الأمر وقد يكون مرجوحاً، المهم تعرف الدليل الذي اعتمد عليه في هذا الحكم، لأن معرفة الدليل يعطي ذهنك قريحة في استنتاج الحكم من الدليل على فهم جماعة من العلماء الذين صنفوا هذا أو رضوه أخذوه مذهباً.الخامس: القول الآخر في المسألة بشرط أن يكون قولاً قوياً، وليس في كل مسألة، يعني مثلاً: مثل ما كان في المشايخ رحمهم الله الأولين الذين يدرسون الفقه عندنا هنا يذكرون اختيارات شيخ الإسلام، وقد يكون بعدها استدلال أو ترجيح.هذه خمس خطوات، إذا أخذت مثلاً باب من الكتاب بعد ذلك ترجع إلى نفسك باختبار، إذا سمعت شرح الباب مثلاً من معلم من شيخ أو عالم أو قرأته وناقشت فيه أحد العلماء أو سمعته بواسطة شريط أو نحوه بعد ذلك اختبر نفسك في هذا الباب. كيف تختبر نفسك؟تأخذ متن مجرداً عن الشرح وتجتهد في أن تشرح، أن تعلق مثلاً، الروض المربع أو شرح الشيخ بن العثيمين أو حاشية البليهي أو حاشية بن قاسم إلى آخره، ستلحظ في أول مرة أنك فيه مسائل تصورتها، وعبارتك كانت عبارة جيدة رضيت عنها، لكن في مسائل أردت أن تتكلم اشتبكت عندك الخطوط ما عرفت، اشتكيت مع أنك حين القراءة كانت واضحة، مثل ما يأتي في الاختبار فقبل الاختبار تقول: أنا والله فاهم، وحينما جاء الاختبار استشكلت أو ضاعت عليك، كذلك في الفقه، فإذا راجعت على هذا النحو وحاولت أن تشرح فسيكون تقييمك لنفسك شيئاً فشيئاً، بهذا الطريقة تقوى مداركك تقوى قوة ذهنك.ثانياً: يقوى تعبيرك عن مسألة بلغة العلم يقوي تعبيرك عن مسألة بلغة العلم.ثالثاً: يكون لسانك متحرياً في الألفاظ لا تأتي إلى المسألة فتذكرها بالمعنى، يعني تذكر ما يدل عليها بحسب ما تفهم، بل تكون دقيقاً في اللفظ فتعبر بتعبيره، تعبر بلغته شيئاً فشيئاً بحسب؟؟؟أنت والله أخذت خمسين من عندك نفسك استشكلت مسائل تعيدها ثم تكرر مرة أخرى حتى يكون عندك دربة هنا وأنت تسير على هذا تأتيك مسائل يكون لك رغبة في أن تطلع على الكلام فيها، فهنا لا بأس في أن تذهب إلى المطولات، مثل المغني في الفقه، أو المجموع أو نحو ذلك، لكن ما يكون ديدنك هذا في الباب كله تطالع. لا. هذا يكون في مسائل تختارها فتطالعها، لماذا؟ لأن الكتب المطولة كتب سائحة، والكنب المختصرة كتب مجموعة، تناول المجموع أسهل من تناول المبسوط أو السائح، لماذا؟ لأنك طبعاً المغني أصعب من الزاد، والله واحد يجيء يقول الزاد عبارته كده والمغني كله أدلة، فتمشي معه بسلاسة، ولكن الواقع أن المغني بالنسبة لطالب العلم المبتدئ مضرٌ، بخلاف مثلاً المختصرات لأن المختصر يعود العقل على نوعية معينة من التعامل مع الكلام الفقهي يعوده على الحصر، يعوده على العبارة من لفظين ثلاثة، يعوده على مبتدأ وخبر، يعوده على شروط، يعني يحكم الذهن، أما ذاك فيكون مبسوطا، والمبسوط الذهن يقرأه بسهوله، يمشي ثم بعد ذلك ما يتربى عنده إلا يتذكر أن المسألة فيها أقوال، أما العبارة والإدراك ما يتربى عنده، ولهذا كان الشيخ عبد الرزاق رحمه (عفيفي) الله يقول الموفق، صنف في الفقه كتاباً أربعة للابتدائي وللمتوسط وللثانوي وللجامعي، فصنف للابتدائي العمدة في الفقه، وصنف للمتوسط المقنع، وصنف للثانوي الكافي، وصنف للجامعي المغني، فلاحظ عمدة، ثم مقنع، ثم كافي ثم مغني، والغناة لا يريد أحد بعدها شيء.لكن هذا لابد يمشي على هذا النحو، لابد أن يكون عندك تسلسل، فقراءة في المغني المطول دائماً، هذا غلط، وتركه دائماً أيضاً غلط. لماذا؟ لأن المطولات فيها إسهاب في الإسهاب يحل بعض الإشكالات، فأحياناً يأتيك قول لم تفهمه أصلاً كيف تحل المسألة؟ مثلاً اتصلت ما وجدت أحداً، كيف تفهم هذا القول في الفقه بخصوصه؟ تذهب إلى الخلاف في المسالة، إذا لم تفهم قولاً من الأقوال اذهب إلى الكتب التي فيها ذكر الخلاف بمعرفة الأول المختلفة يتضح لك المراد بالقول الذي استشكلته، هذه مجربة ونافعة جداً في حل مثل هذا.على كل حال هنا عدة أشياء أُخر لكن ربما احتاج الكلام عليها إلى طول مثل كلام مراتب كتب الحنابلة لماذا اختاروا كتاباً دون كتاب، كيفية الدمج بينها؟ وهل يسوغ لطالب العلم أن ينوع مثلاً عند أحد العلماء من الزاد وعند الثاني منار السبيل وعند الثالث من كذا... هذه كلها أشياء تحتاج إلى أجوبة لكنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، نكتفي بهذا القدر.أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله. |